فصل: باب: العوْد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.باب: العوْد:

قال الشافعي رحمه الله: "قال الله عز وجل {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ...} [المجادلة: 3] الآية... إلى آخره".
9534- مضمون هذا الباب الكلامُ في العود ومعناه؛ فإنه عز من قائل علّق الكفارة بالظهار والعَوْد جميعاًً؛ إذ قال تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3].
وقد اختلف مذاهب العلماء في تفسير العَوْد، فذهب الثوري وغيره إلى أن العَوْد هو الإتيان بالظهار في الإسلام، ونفسُ لفظ الظهار عنده موجِبٌ للكفارة، ومعنى العود في الكتاب أن الظهار لفظٌ كانت العرب في الجاهلية تستعمله، فمن استعمله في الإسلام فكأنه عاد لما كان ومعناه في الجاهلية.
وهذا لا حاصل له؛ فإن الله عز وجل ذكر الظهار، ورتب عليه العَوْد، فقال: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3]، وهذا يقتضي إنشاء أمرٍ هو العَوْد بعد الظهار، فلا يوافق هذا المذهبُ ظاهرَ الكتاب أصلاً.
وذهب داود إلى أن العَوْد تكرير كلمة الظهار، وهذا ركيكٌ لا أصل له.
وذهب الزهري ومالك في إحدى الروايتين إلى أن العَوْد هو الوطء، وهذا المذهب فيه استيضاح حقيقة المعنى، فإن قوله تعالى: {ثُمَّ يَعُودُون} [المجادلة: 3] معناه ثم يناقضون ما كان منهم؛ فإن الظهار مقتضاه التحريم، فإذا جرى شيء يخالفه ويناقضه، فهو الذي فهمه العلماء من العود، وهو بمثابة قول القائل: قال فلان قولاً وعاد فيه، أي يُتبعه بما يخالفه.
ثم من فهم هذا على الصحة، اختلفوا فيما يقع به المخالفة، فذهب الزهري ومالك إلى أن المخالفة تقع بالوطء لا غير.
وقال أبو حنيفة في رواية، ومالك في رواية: العَوْد هو العزم على الوطء.
والرواية الصحيحة عن أبي حنيفة وعنها يذبُّ أصحابُه وبها يُفتون أن الكفارة لا تستقر في الظهار استقرار اللزوم، وإنما هي مشروعة للاستحلال، فإن كفّر، استحلّ، وإن وطىء قبل التكفير عصى ربَّه، ولم تستقر الكفارة أيضاًً، بل التحريم باقٍ إلى أن يكفر.
وهذا وإن اختاروه مضطربٌ؛ سيّما على أصلهم؛ فإن الكفارة لا تقدّم على وجوبها، وهذا الذي ذكروه تكفير قبل الوجوب.
والمذهب الصحيح للشافعي أن العَوْد هو أن يمسكها عقيب الفراغ من الكلمة زماناً يتمكن فيه من الطلاق، فإذا فعل ذلك ولم يطلق، فقد أمسكها زوجةً، وإمساكُها زوجةً في لحظةٍ يناقض ما اقتضاه الظهار من التحريم.
والحملُ على الوطء بعيدٌ، فإنه تعالى ذكر الظهار والعَوْد، ثم قال: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3]، فأشعر هذا بكون الظهار والعود متقدمَيْن على التماسّ، وقد قيل: للشافعي قولٌ في القديم أن العود هو الوطء، وهذا إن صح، فهو في حكم المرجوع عنه، ولا معوّل عليه.
ثم إذا ظاهر الرجل، ولم يطلّق، حتى مضى زمانٌ يسع التطليق، فقد عاد، واستقرت الكفارةُ، فلو تلفظ بالظهار ومات هو عقيبه أو ماتت، فلا كفارة؛ فإن الإمساك لم يتحقق، وأيس من العود.
ولو طلقها، فالطلاق ينافي العود، فلا تجب الكفارة، ثم لو راجع بعد الطلاق الرجعي، أو جدد النكاح بعد الطلاق المبين، فسنفردُ في ذلك فصلاً؛ فإنه عمدةٌ الكتاب.
ثم ذكر المزني كلاماً لا يليق بهذا المحل، فنذكره ثم نعود إلى ما وعدناه من تفصيل الطلاق والرجعة والنكاح.
9535- قال الشافعي: "معنى قوله سبحانه: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] وقتٌ لأن يؤدي فيه... إلى آخره".
أراد بذلك أن المظاهر يحرم عليه الجماع حتى يكفّر، فإن كان يكفر بصوم الشهرين المتتابعين، فحرام عليه أن يمَسها حتى يستكمل الصيام، فلو جامعها نهاراً في الشهرين فسد الصوم، وانقطع التتابع، ولزم استئناف صوم الشهرين، وتحريم الجماع ممتدٌّ، وليس هذا من خاصية الجماع، بل لو أفطر في اليوم الأخير من غير عذرٍ، على ما سيأتي التفصيل فيما يقطع التتابع وفيما لا يقطعه-فالحكم ما ذكرناه من فساد الكفارة ووجوب العود إلى استئناف الصوم، فلو كان يكفر بصوم الشهرين، فوطىء التي ظاهر عنها ليلاً فالجماع حرامٌ؛ لأنه قبل تبرئة الذمة عن الكفارة، ولكن صوم الشهرين لا يفسد بما جرى، والتتابع لا ينقطع، وقال أبو حنيفة تفسد الكفارة.
وعبر الشافعي عن حقيقة المسألة بأن قال: الصوم مؤقت بالزمان المتقدّم على المسيس، فلو استفتح شهرين بعد المسيس، لكان جميع الصوم وراء الوقت، فإذا مضى بعض الصوم قبل المسيس، فهذا المقدار واقعٌ في الوقت، فإيقاع البقية وراء الوقت أقربُ إلى الامتثال من إيقاع الجميع وراء الوقت، والمسألة مشهورة مع أبي حنيفة.
9536- ثم قال: "فإذا منع الجماعَ أحببتُ أن يمنع القُبَلَ... إلى آخره". قد ذكرنا أن من ظاهر وعاد، التزم الكفارة، ولا يحل له الوطء ما لم يكفر، وإذا حرمت التي ظاهر عنها، وتحقق التحريم في الوطء، فهل يحرم سائر جهات الاستمتاع، كالمسّ والاعتناق والقبلة، وغيرها من وجوه الاستمتاع عدا الجماع؟ ظاهر النص هاهنا أنه لا يحرم شيء سوى الجماع، ونص في رواية الزعفراني على أنه يَحْرُم جميع جهات الاستمتاع، فحصل قولان:
أحدهما: ولعله الأظهر أن جميع الجهات من الاستمتاعات تَحْرُم كالوطء، وما يحرّم الوطءَ من هذه الأجناس يحرِّم وجوه الاستمتاع كالعدة، والإحرام.
والقول الثاني- لا يحرم إلا الوطءُ، والمسيسُ في القرآن كنايةٌ عن الجماع، والقائل الأول يقول: هو محمول على حقيقته، ولا خلاف أن قوله تعالى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [الأحزاب: 49] محمول على الوطء، فالمس في هذه الآية كناية بلا خلاف، وهي فيما عداها من الآي على التردد والاختلاف، كآية الملامسة، وكآية الظهار التي نحن في ذكر معناها.
9537- ثم نجمع في هذا كلاماً ضابطاً، إن شاء الله، فنقول: كل ما يُحرّم الوطءَ من جهة تأثيره في الملك، فلا شك أنه يُحرِّم سائرَ جهات الاستمتاع، كالطلاق، وما لا يحرّم الملك ويُقصد به استبراء الرحم عن الغير، فهو يحرّم جهات الاستمتاع بجملتها، كالعدة تجب في صلب النكاح عن وطء الشبهة، فإنها تتضمن التحريم من كل الوجوه.
وكل ما يبيح المرأة لشخصٍ، فلا شك أنه يحرمها على غيره من الوجوه كلها، كالنكاح في الأَمَة.
وكل تحريم يرجع إلى الأذى كالحيض، فهو مقطوع به في محل الأذى، وهو الوطء، ولا يثبت فوق السرة وتحت الركبة، وفي ثبوته دون السرة وفوق الركبة مع توقي الوقاع الخلافُ المعروف.
ثم من أصحابنا من حمل هذا الخلافَ على التحويم على الحمى، وخشية الوقوع فيه.
ومنهم من حمله على غلبة الظن في الأذى في المحل القريب.
والعبادة التي حرُم الجماع فيها تنقسم إلى الإحرام، والصوم، والاعتكاف، فأما الإحرام، فإنه يحرّم التقاء البشرتين من كل وجه، وهذا تعبُّدٌ لا نلتزم تعليلَه.
وأما الصوم، فيحرُم الوقاعُ فيه، وكل ما يُخشى منه الإنزال، فهو محرم، وفيه تفصيل طويل ذكرته في موضعه من كتاب الصيام، وأما التلذذ مع الأمن من الإنزال، فالصحيح أنه لا يحرم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَبِّل، وهو صائم.
ومنهم من قال: التلذذ حرام من الصائم، وإنما نُبيح القُبلة والجسَّ ممّن لا يتلذّذ.
وهذا خطأ صريح عندنا، والتعويل فيما يحرم ويحل على الأمن من الإنزال والخوف منه.
9538- وأما الظهار، ففيه قولان:
أحدهما: أنه يحرّم كل استمتاع.
والثاني: أنه لا تحرم جميعاًً، فإذا لم تحرم، فلا بأس بالتلذذ، وإن أفضى إلى الإنزال، أما الاستمتاع بما تحت السرة وفوق الركبة، ففيه تردد: يجوز أن يخرّج على الخلاف المذكور في الحائض، ويجوز أن يقال: إنه يحلّ؛ فإن التحريم فيها ليس مربوطاً بالأذى.
9539- فأما الاستبراء، وتحريم المستبرأة، فإنا نقول فيه: إذا كانت الجارية مستبرأة، في جهة لو ثبت فيها كونُها مستولدةً للغير، لحرمت، فجميع وجوه الاستمتاع محرّم منها كما يحرّم من المعتدّة.
وأما المسبية، فلو ثبت أنها أمُّ ولدٍ، لم يضر، فالاستبراء فيها تعبُّدٌ؛ فلا يحل وطؤها، وهل يحل سائر وجوه الاستمتاع، فعلى اختلاف مشهور، وسيأتي ذلك مستقصىً في كتاب الاستبراء، إن شاء الله عز وجل.
9540- ومما أجراه الشافعي رضي الله عنه أن الذي يكفر بالإعتاق لا يطأ قبل الإعتاق، والذي يكفر بالصيام كذلك، ثم هذا يطّردُ في التكفير بالإطعام، فلا يحل للذي يكفّر بالإطعام، أن يطأ قبل الإطعام، خلافاً لأي حنيفة، وهذا الخلاف نشأ من تقييد العتق والصيام بالمسيس، فإنه تعالى قال: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3]، وقال في الصوم: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] ولما ذكر الإطعام لم يقيده بالتّماسّ، فقال أبو حنيفة: يتقيّد ما قيّده ولا يتقيد ما أرسله، ورأى الشافعي حمل المطلق على المقيّد، سيّما إذا اتحدت الواقعة.
فصل:
قال: "ولو تظهّر، ثم أتبع الظهار طلاقاً... إلى آخره".
9541- هذا هو الفصل الموعود، وبه يظهر سر العود، وفيه نذكر عَوْد الحنث في الظهار، فالله المستعان.
فنقول أوّلاً: من ظاهر عن امرأته وعاد، فإن أمسكها في زمان إمكان الطلاق، فقد لزمت الكفارة، واستقر لزومها، ثم كما استقرت الكفارة استقر التحريم المرتبط به، فلا يزول التحريم إلا بالتكفير، ومن أثر ذلك أنه لو ظاهر وعاد، ثم أبان زوجته، ثم نكحها، فهي محرّمة عليه، سواء قلنا بعود الحنث أو لم نقل به، لما حققناه من استقرار التحريم، وتعلقِ زواله بتبرئة الذمة عن الكفارة، فلا خلاص من الكفارة إلا بأدائها، ولا انتهاء للتحريم إلا بالتكفير، حتى قال المحققون: إذا ظاهر وعاد، ثم اشترى التي ظاهر عنها، فلا يستحل وطأها بملك اليمين ما لم يكفر، هذا هو المذهب الظاهر، وفيه وجه بعيد ذكرته فيما تقدم.
هذه مقدمة مهدناها، ونخوض بعدها في بيان غرض الفصل.
9542- فإذا ظاهر وطلق على الاتصال، فلا يخلو إما أن يكون الطلاق رجعياً، وإما أن يكون الطلاق بائناً، فإن كان الطلاق رجعياً، فهذا يمنع حصول العَوْد، فإذا لم يحصل العود، لم يلتزم الكفارة أصلاً، فإن راجعها وأمسكها صار عائداً، واختلف أصحابنا في أنه هل يصير بنفس الرجعة أم بالإمساك بعدها؟ وهذا مما قدمنا ذكره، وظاهر النص يدل على أن نفس الرجعة عوْدٌ، وهو القياس؛ فإن العود مخالفةٌ لمقتضى الظهار، وإذا كان إمساك ساعة مناقضاً للظهار، فالرجعة أولى بأن تكون مناقضة للظهار.
ومن فوائد الوجهين أنا إن جعلنا نفسَ الرجعة عوْداً، فلو راجعها، ثم طلقها على الاتصال بالرجعة، فقد استقرت الكفارة بالظهار والعوْد وهو الرجعة، ولا أثر للطلاق بعد ذلك، وإن لم نجعل نفسَ الرجعة عوداً، فلو طلقها عقيب الرجعة، فهو غيرُ عائد، والكفارة غيرُ لازمة، هذا إذا كان الطلاق رجعياً.
فأما إذا كان الطلاق بائناً، أو كان رجعيّاً فتركها حتى انسرحت بانقضاء العدة، فإذا جدّد النكاح عليها، فقد قال الأصحاب أولاً: هل يعود موجَب الظهار في النكاح الثاني على ما نفصله؟ قالوا: هذا يبتني على عَوْد الحنث، وفيه قولان منسوبان إلى الجديد والقديم، ثم بنَوْا عليه أنا إذا قلنا بعوْد الحنث، فالنكاح كالرجعة، فإن أمسك بعد النكاح، فقد عاد، ولزمت الكفارة الآن، وهل يكون نفس النكاح عوداً؟ فعلى وجهين وقد قدمنا ذكرهما، ورتبناهما على الوجهين في الرجعة.
هذا إذا رأينا عوْد الحنث.
وإن قلنا: لا يعود فكما بانت انقطع الظهار وزال أثره، فلا تحرم في النكاح الثاني ولا تلزم الكفارة.
9543- وقد أرسل معظمُ الأصحاب ذكر القولين، ولم يعتنوا بالتعرّض للكشف، ونحن نذكر سؤالاً ينصّ على إشكال المسألة، ثم نخوض في الجواب بعدها. فإن قال قائل: إذا ظاهر عن امرأته، ثم أبانها، هلاّ قلتم: إنه بالإبانة حقق التحريم الجاهلي، ووفّى بما كانوا يَرَوْنَه ويعتقدونه، وليس كالطلاق الرجعي؛ فإنه من خواص الإسلام، ولم يعهد رجعة في الجاهلية على سبيل القهر، فإذا حقق معهودَ الجاهلية، فينبغي أن يكون هذا وفاءً بمقتضى اللفظ، ومن وفّى بمقتضى اللفظ، استحال أن يكون مخالفاً لها ناقضاً لمعناها؛ هذا وجه.
وإن جُعل الظهار مقتضياً تحريماً مسترسلاً على الأزمان، وقيل الظهار علّة الكفارة، وللعلة شرطٌ، وهو العَوْد، فإن اتصل العود، فقد وُجدت العلةُ وشرطها، فوجبت الكفارة، وإن ظاهر وكما ظاهر أبان، ثم نكح بعد طول الزمان، فهذا النكاح مناقض للظهار الذي مقتضاه التحريم المسترسل، ومهما وجدت العلّة وتخلف عنها شرطها، فإذا وجد الشرط، وجب ثبوت الحكم المعلول، فهذا المسلك لو صحّ، لوجب القطع بأن الكفارة تجب بالنكاح الثاني، ولا يخرّج هذا على اختلاف القول في عَوْد الحنث.
والذي يعضد هذا السبيل أن خاصّية النكاح في هذه الأبواب طلب الطلاق أو الطلاق نفسه، كما يفرض في تعليق الطلاق مع تخلل البينونة، أما لزوم الكفارة، فليس من خواص النكاح، فحاصل السؤال بعد هذا البسط أنا إن جعلنا البينونة وفاءً بتحريم الظهار، فليقع الاكتفاء بها، حتى لا نَفْرِضَ عوداً أو لزوم كفارة، ولتقع البينونة مع الظهار موقع البرّ من اليمين.
وإن لم يكن الأمر كذلك، ورأينا التحريم مسترسلاً على الأزمان، فينبغي أن يتحقق العود في النكاح الثاني قولاً واحداً، كيف فرض الأمر، كما قلنا إنه لو ظاهر وعاد، فالتحريم مسترسل على كل نكاح من غير بناء على عود الحنث.
9544- هذا حاصل السؤال ونحن نقول: أما الطرف الأول من السؤال وهو إحلال البينونة محل البرّ في اليمين، فلا أصل له من وجهين:
أحدهما: أنه لو كان كذلك، لكان إذا ظاهر، ثم طلق طلاقاً رجعياً، يُجعل عائداً لقدرته على الإبانة، وآية ذلك أن الرجعية إذا انسرحت، فالبينونة تحصل مع انقضاء العدة غيرَ مستندة، فالذي يطلق طلاقاً رجعياً مؤخرٌ للبينونة قطعاً.
هذا وجهٌ في الرد على هذا الطرف.
وأما الوجه الثاني- فهو أنا لم نتعبد بتحقيق التحريم ومطابقة الجاهلية، فلا ينبغي أن يكون ذلك مظنونَ فقيهٍ، ولو كان من غرض الشرع تحقيقُ الفراق، لأدام حكم الجاهلية في أن الظهار طلاق.
بقي الطرف الآخر، وهو سؤال السائل في أن الكفارة ينبغي أن تُلْتزم في النكاح الثاني قولاً واحداً، وهذا موضع التوقف، ولكن تحريم الظهار وثبوت الكفارة من خصائص النكاح؛ إذ لا يفرض الظهار في مملوكة، وإن كان تحريم عين المملوكة في إيجاب كفارة اليمين كتحريم عين المنكوحة، فإذا استدعى ابتداءُ الظهار نكاحاً، يجوز أن يستدعي العودُ النكاحَ الذي جرى الظهار فيه؛ فإن الظهار مع اقتضائه-من حيث الصيغة- التحريمَ اختص بالنكاح دون ملك اليمين، وإن كانت المملوكة تُسْتَحَلُّ وتَحْرُم بأسباب، وتَحْرُم التحريمَ المقتضي للكفارة، فيجوز أن يتقيد مُطلَقُه بالنكاح الذي جرى فيه، كما أن قول القائل لامرأته: "إن دخلت الدار، فأنت طالق"، فهذا من جهة الصيغة مسترسل؛ فإذا ارتفع النكاح وبقي الطلاق المعلق، فإن المرأة تعود ببقية الطلاق، ومع هذا جرى قولا عوْد الحنث، فكذلك أجرَوْا حكم العود ولزوم الكفارة على قولَيْ عوْد الحنث.
وإنما ينتظم الكلام بذكر مراتب لابد من التنبّه لها:
المرتبة الأولى لتعليق الطلاق- فإنه يُعلِّق ما يملكه في ذلك النكاح، فإذا انبتَّ ذلك النكاح، ثم فُرض عودٌ، جرى قولا عَوْد الحنث في أوانهما حقَّ الجريان.
والمرتبة الثانية-للإيلاء- فإنه يمين لا يستدعي نكاحاً، ولكن لما تعلّق به طلب الطلاق، انتظم فيه عَوْدُ الحنث والتخريجُ على القولين، ولعل الأظهر العودُ.
والظهار ليس طلاقاً ولا يُفضي إلى طلب طلاق، ولكنه تحريم يختص بالنكاح، ولا يجري ابتداءً إلا فيه، فلا يبعد تختلُ اختصاصِه بجميع آثاره بالنكاح الذي جرى فيه.
ويخرج على هذا المنتهى أن ما ذكرناه فيه إذا لم يتم الموجَب بالعود، فأما إذا تم واستقرت الكفارة، فلا مدفع لها بعد استقرارها، ثم ينبني على قرارها أن التحريم لا يزول إلا بإبراء الذمة عن الكفارة، وهذا يُخرَّج على الالتفات على النكاح.
فإن قال قائل: يحل وطء هذه بملك اليمين، فلست أنكر أن هذا التفاتٌ منه على جنس النكاح على بُعد، ويَرِدُ عليه زوال التحريم وإن بقيت الكفارة بزوال النكاح الأول، ولا ينبغي أن تُشَوَّشَ القواعدُ بالتفريع على الوجوه البعيدة.
9545- هذا حاصل القول في عود الحنث، ولا يبقى فيه شيء إلا سؤال وجواب عنه: فإن قال قائل: من آلى عن امرأة، ثم أبانها قبل الفيئة، ثم نكحها، فإنه يلتزم بوطئها كفارةَ اليمين، وإن قلنا: إن الحنث لا يعود، فهلا قلتم: كفارة الظهار تجب في النكاح الثاني على هذا القياس؟
قلنا: لزوم كفارة اليمين لا اختصاص له بالنكاح؛ فإنه يجرى في ملك اليمين، بل في السفاح، وأما كفارة الظهار، فإنها تختص بالنكاح اختصاصَ تحريم الظهار، بل التحريمُ والكفارة مقترنان اقتران ارتباط.
هذا منتهى الكلام في ذلك.
9546- وقد يجري في نفس الفقيه الذي يطلب الغايات أن الظهار بنفسه هل يُحرِّم الوطء حتى يقال: إذا حرمنا المسّ، فلو ظاهر ومس في الزمن الذي يفرض الإمساك فيه، فيحرم المس قبل تحقق العود، أم يقال: إنما يثبت ابتداء التحريم إذا وجبت الكفارة؟ هذا سأذكره موضحاً في فصل تأقيت الظهار، وإنما أخرته لغرض يتبين، إن شاء الله.
واختيار المزني أن الحنث لا يعود، وطردَ اختياره في الظهار، وهذا يقوّي نظرَ الفقيه في إجراء العود هاهنا.
فصل:
قال: "ولو تظاهر منها، ثم لاعنها مكانه، بلا فصل... إلى آخره".
9547- التفريع على ما هو المذهب، وهو أنه إذا ظاهر وأمسكها في زمان يتأتى فيه الطلاق؛ فإنه يصير عائداً ملتزماً للكفارة، فلو ظاهر عنها، ثم أراد اللعان متصلاً، فكيف السبيل فيه؟ ظاهر النص أنه يسقط حكم الظهار، ولا يكون عائداً.
وهذا كلام مبهم في تصويره، فاختلف أصحابنا فيما يمنع مصيرَه عائداً، فمنهم من قال: إذا ظاهر، ثم قذف على الاتصال، واشتغل بالمرافعة إلى الحاكم، وتهيئةِ أسباب اللعان، فلا يصير عائداً، حتى لو تظاهر عنها، ثم قذفها على الفور، ولم يؤخر الاشتغال بأسباب اللعان، فليس عائداً، وإن بقي في ذلك إلى حصول الغرض أياماً؛ لأن هذا اشتغال بأسباب الفرقة، فَحَلَّ محلَّ الاشتغال بنفس الفرقة.
ومن أصحابنا من قال: هذه المسألة تصور فيه إذا قدّم القذف وحصل الترافع، وتجمعت الأسباب، ولم يبق إلا إنشاء كلماتِ اللعان، فإذا قدم عليها الظهارَ، وعقَّبه بإنشاء اللعان، فهو غير عائد، وإن لم تكن كذلك، فهو عائد.
ومن أصحابنا من قال: ينبغي أن يقدم كلماتِ اللعان حتى لا تبقى منها إلا كلمة اللعن؛ فإذا ظاهر، ثم أتى بكلمة اللعن، لم يكن عائداً.
وهذا سرفٌ ومجاوزة حدٍّ، ولكنه اختيار ابن الحداد، ووجهه على بعده أن كل كلمة من كلمات اللعان مستقلة بإفادة معنى، ولا تستعقب واحدةٌ منها الفراق، وإنما يحصل ترك العوْد بتعقيب الظهار بكلمةٍ أو كلمات يقترن بإفادتها المعنى حصولٌ الفراق.
ثم خالفه معظمُ الأصحاب وألزموه أموراً ما أُراها مسلّمة على قياسه، وذلك أنه قيل له: لو قال المظاهر: يا زينب أنت طالق، فهذا ليس بعائد، وكان من الممكن أن يقول: طلقتك، ولا يزيد عليه، ويجوز أن يقال: إذا قال: يا زينب، فهذا اشتغال منه بما لا يَعْنيه، فيقع هذا ممنوعاً على رأي ابن الحداد.
ويجوز أن يقال: المرعيُّ مقصود الكلام، وقول القائل: يا زينب أنت طالق، مقصوده التطليق، ولا تستقل كلمة مما ذكره بإفادة معنى مستقل، وللأول أن يقول: قوله: يا زينب كلام مفيدٌ، وقد عدّه النحاة جملةً مستقلة مركبةً من اسم وحرف ينوب مناب فعلٍ، والكلامُ المفيد مبتدأ وخبر، واسم وفعل، والأظهر التسليم بالفرق.
9548- ومما يتصل بذلك أن الزوج إذا اشترى زوجته المملوكة-والتفريع على أنه لا يصير عائداً- فقد ادعى الأصحاب على ابن الحداد أنه جعل الاشتغال بأسباب الشراء مانعاً من العود، كقوله اشتريت، فهذا ما لا أشك في كونه ممنوعاً على رأيه.
وإنما النظر على الطريقة الأخرى، فإذا ظاهر، وكان الشراء ممكناً متيسّراً، فأقبل على تحصيله، ولم يقصّر، فيجوز أن يقال: من ذهب إلى أن القذف والاشتغال بأسباب اللعان يمنع من العَوْد، فالاشتغال بأسباب الشراء المتيسر هكذا يجري.
ومن صار إلى أن القذف والمرافعة وغيرهما من الأسباب إلى النطق بكَلِم اللعان حقُّها أن تتقدم، فلا يجعل الاشتغال بأسباب الشراء مانعاً. فأما إذا كان الشراء متعذراً، فالاشتغال بتسهيله لا ينافي العود عندي. والعلم عند الله.
9549- وفرّع الأصحاب على مضمون الفصل، فقالوا: إذا ظاهر عن امرأته، ثم قال: إذا دخلت الدار فأنت طالق، فهذا عائدٌ؛ لأنه أخر الطلاق مع الاستمكان من تنجيزه، فلو كان قال أولاً: إن دخلتُ أنا الدار، فأنت طالق، ثم ظاهر وعقّب الظهار بالاشتغال بالدخول، فهو بمثابة الاشتغال بالشراء المتيسر، وقد قدمنا الفصل فيه.
فصل:
قال: "ولو تظهر منها يوماً، فلم يصبها... إلى آخره".
9550- مضمون الفصل الكلام في الظهار المؤقت، فإذا قال لامرأته: أنت علي كظهر أمي خمسةَ أشهر مثلاً، أو يوماً، ففي انعقاد الظهار قولان مأخوذان من قاعدة المعنى واتباع معهود الجاهلية، فمن اتبع المعهود أبطل الظهار المؤقت، ومن تمسك بالمعنى، فقد أثبت للظهار المؤقت حكماً على تردُّدٍ، سيبين في التفريع.
والأوْلى أن نقول: لا ظهار على القديم، تعلّقاً بالاتباع، وفي الجديد قولان:
أحدهما:البطلان أيضاًً.
والثاني: الثبوت، وهذا يقرب من التردّد في أن الغالب على الظهار معنى الطلاق أو شوْب الإيلاء، ولا يكاد يخفى وجه التلقي.
فإن ألغينا اللفظ، فلا كلام، وإن صححناه، ولم نُلغه، فالظهار يثبت مؤقتاً أم يتأبد؟ فعلى وجهين منطبقين على تغليب الطلاق والإيلاء، فإن غلبنا الطلاق، كان الظهار المؤقت كالطلاق المؤقت، فيتأبد، وينحذف ذكر الوقت عنه.
وإن غلبنا مشابهة الأيمان، يبقى التأقيت؛ فإن اليمين إذا خصت بزمان، اختصت به، فليكن الظهار كذلك.
فإن قلنا: يتأبّد اللفظ المؤقت، فالعود فيه كالعوْد في الظهار المطلق على ما سبق تفصيله.
وإن قلنا: يثبت الظهار مؤقتاً، فالعود فيه على وجهين:
أحدهما: أن العود فيه كالعود في الظهار المطلق، فإذا ظاهر، ثم سكت ساعةً-وإن قلّت- فهو عائد ملتزمٌ للكفارة، هذا أحد الوجهين.
والثاني: أن العود في الظهار المؤقت هو الوطء، وإن كنا نقول: العود في الظهار المطلق يحصل بإمساك ساعة تَسَعُ الطلاقَ.
توجيه الوجذهين: من قال: يحصل العودُ بالإمساك في لحظةٍ، جعل الظهار المؤقت كالظهار المؤبد.
ومن نصر الوجه الثاني-وهو ظاهر النص- احتج بأن قال: التحريم في الظهار المؤبد متعلق بجميع الأزمان، أخذاً من صيغة اللفظ، فإذا وُجد الإمساك في لحظة، فقد ناقض التحريم الذي اقتضاه الظهار، وإن كان الظهار مؤقتاً، فعقبه الإمساكَ، والسكوتَ في لحظة، اتجه في ذلك أنه يُمسكها لينتفع بها وراء المدة ولا ظهار وراءها، فلا يتجرد الإمساك للمناقضة، والوطء إيقاع المخالفة وتحقيق المضادّة؛ فإنه ليس كما يرتبط بما سيكون.
هذا بيان الوجهين في العود، وسنعود إليهما بمزيد إيضاح مفرعين.
9551- فإن قلنا يثبت الظهار المؤقت، وقد جرى العوْد على الخلاف المقدم، فالواجب على المذهب الظاهر كفارةُ الظهار، وأبعد بعض أصحابنا، فقال: لا تجب إلاّ كفارة اليمين، وكأنّ لفظ الظهار ينزل منزلة لفظ التحريم، وقد قال علماؤنا: إذا صححنا الظهار مؤقتاً، فلو قال لامرأته: حرمتك-وقصد تحريم العين الموجب لكفارة اليمين- وأقّت التحريم بوقتٍ، فالأصح صحةُ التحريم، فإنه أشبه باليمين من الظهار؛ من جهة أن موجبه موجب الحنث في اليمين.
وخرَّج الأصحابُ وجهاً آخر في إلغاء التحريم وإبطاله رأساً؛ لأنه ورد في الشرع مطلقاً، كما أن الظهار ورد مطلقاً.
ومما نفرعه في الظهار المؤقت أنه إذا ذكر أَمَداً وحكمنا بأن الوقت يثبت، فلو طلق عقيب الظهار، فهو غير عائد، وإن راجع، نُظر: فإن جرت المراجعة في المدة، عاد خلافُ الأصحاب في أن الرجعة بنفسها هل تكون عَوْداً، وهذا تفريع على أنا لا نشترط الوطء في العود، ولو تركها حتى انقضت المدّة ثم راجعها، فليس عائداً، وقد تصرم الظهار بانقضاء الوقت، ولم يبق له حكمٌ.
9552- ومما يتعلق بتفريع الظهار المؤقت أنه لو قال: أنت عليّ كظهر أمي خمسةَ أشهر، ثم تركها وولّى، حتى مضت أربعة أشهر، قال الأئمة: إن قلنا: إن العود هو الإمساك، فلا نجعله مولياًً؛ فإن الكفارة لا يتعلق وجوبها بالوطء وإن قلنا: العود في الظهار المؤقت الوطء، فهذا شخص يلتزم بالوقاع-الكفارة- بعد أربعة أشهر أمراً بسبب أنشأه في النكاح، وهذا حقيقة المولي ونصه.
وكان شيخي يقول: لا نجعله مولياًً، فإنه ليس حالفاً، وقد ذكرت تفصيل ذلك فيه إذا حرمها، ثم انقضى أربعة أشهر، وفرعنا على وجه ضعيف في أن الكفارة في التحريم لا تجب قبل الوطء وإنما تجب عند الوطء، فهل نجعله مولياًً مطالَباً إذا مضت أربعة أشهر؟ فعلى تردّدٍ وخلافٍ قدمته في فصل التحريم من هذا الكتاب.
9553- ومن أهم ما يجب دَرْكُه-وقد أخّرتُه من صدر باب العود إلى هذا الفصل- الكلامُ في أن نفس الظهار هل يحرِّم أم يثبت التحريم بالظهار بالعود؟ فنقول أولاً: إذا حصل الظهار والعودُ، فلا شك في تحريم الوطء، والكلامُ في الظهار المُطلق، وذلك لأن الظهار والعودَ يوجبان الكفارة، ونصُّ القرآن ناطقٌ بامتداد التحريم بعد وجوب الكفارة إلى التخلي منها، والخروج عن عهدتها، قال الله تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] فأوجب تقديم التكفير على المماسّة، فكان ذلك نصّاً فيما ذكرناه.
فإن فرعنا على أن الظهار يحرّم اللمسَ تحريمَه الجماعَ-وإنما اخترنا التفريع على هذا القول ليسهل تصوير اللمس في اللحظة الخفيفة والساعةِ المختلسةِ، ثم إذا ظهر أثر قولنا في اللمس تفريعاً على تحريمه- اتّسق الحكم نفياً وإثباتاً في الوطء.
والظاهر عندي أن الظهار بمفرده لا يُحرِّم، وإنما يحصل التحريم إذا لزمت الكفارة؛ فإن التحريم مرتب على وجوب الكفارة، والخروجُ منه مرتب على أداء الكفارة، وهذه الكفارة تجري على الضد من كفارة اليمين، فإن الحنث فيها يوجب الكفارة، ووجوب الكفارة في هذا الباب يقدُم التحريمَ، هذا، والدّليل عليه أن الظهار لو كان يحرّم بعينه، لحرَّم الإمساك، ولأوجب الطلاق، فلما لم يكن الأمر كذلك، وجاز الإمساك، تبين بهذا ما ذكرناه، والدليل عليه أن إمساك ساعة مناقض للظهار، ولهذا كان عوداً، فدل أن مُناقِضَه لا يَحْرُم به، فهذا ما أراه.
وإذا فرعنا على الظهار المؤقت، ورأينا العود فيه بالوقاع-على ما سنشرح ذلك على أثر هذا شرحاً واضحاً-إن شاء الله تعالى- فالوطء الذي هو العودُ يجب ألا يَحْرُم، ويكون حصولُ الوطء بمثابة حصوله والطلاقُ الثلاث معلّق عليه، وقد حكينا عن بعض الأصحاب أن من قال لامرأته: إن وطئتك، فأنت طالق ثلاثاًً لا يحل له التغييب، ولا شك أن هذا الوجه يُخَرَّج هاهنا.
9554- ثم تمام البيان في ذلك يتعلق بشرح العَوْد في الظهار المؤقت: قال الصيدلاني: إذا جعلنا العود بالوقاع، فليس معناه أنه عين العود، ولكن إذا حصل الوطء، تبينا أن العود حصل بالإمساك في لحظةٍ عقيب كلمة الظهار، ولكنا لا نتبين هذا إلا بالوقاع.
وبيان ذلك أنا لم نجعل الإمساك عوداً-على هذا الوجه الذي نفرع عليه- لجواز أن يكون الإمساك للاستحلال بعد مدة الظهار، فإذا حصل الوطء في المدة، تبين أن الإمساك مصروف إلى الاستمتاع الذي وقع.
وهذا فقيه حسن، واتجاهه من طريق المعنى ما ذكرناه، وانتظامه في ترتيب المذهب أن الشافعي في الجديد لا يجعل عين الوقاع عوداً، مع علمه بأن الظهار والعود في نص القرآن مقدّمان على الوطء والتماسّ، فإنْ نصَّ الشافعيُّ رحمه الله على الجماع نتبين أنه شرطه ليتسنَّى صرفُ الإمساك إليه لا لعينه.
وذكر غيرُ الصيدلاني أن الوقاع في عينه هو العود على هذا القول، ولا نتبين حصول العود قبله؛ فإن الممسك قد يضمر بإمساكه الاستحلال وراء المدة، ثم يتفق الوقاع، فلا معنى للمصير إلى أن الوقاع ينعطف على تعيين الإمساك للاستمتاع، ونحن من طريق الحس نجد الرجل يمسك ولا يُضمر غرضاً، وإنما نجعل العود في الظهار المؤقت جماعاً لضعف الظهار، وإذا ضعف، افتقر إلى عودٍ قوي.
فإذا تبين هذا، أعدنا فصلَ التحليل، وقلنا: إن كنا نجعل عين الوطء عوداً من غير تقدير انعطافٍ وتبيُّنٍ، فالوجه ما ذكرناه من أن الوطأة الأولى لا تحرم.
وإن سلكنا مسلك الصيدلاني في أنا نتبين بالوطء حصول العود بالإمساك المعقب للظهار؛ فعلى هذا لا نطلق القول بتحليل الوطء؛ فإنا نتبين أن العود سابق عليه. ولو قال الرجل لامرأته: إذا وطئتك، فأنت طالق قبله ثلاثاًً، فالإقدام على الوطء محرَّمٌ؛ فإنه لا يقع إلا بعد وقوع الطلاق.
وعنينا بالوطء التغييب، فأما ما دون ذلك فليس بوطء.
وقد نجز غرضنا في بيان الظهار المؤقت.